## التوبة: رحلة العودة إلى الله
تُعدّ التوبة من أهمّ مفاهيم الدين الإسلامي،
وهي جوهرٌ من جوهر العقيدة الإسلامية، فما هي التوبة؟ وما شروطها؟ وما فضلها؟ وما
هي حاجة العباد إليها؟
## التوبة: رحلة العودة إلى الله |
**التوبة طريقٌ مُضيءٌ في ظلمة الذنب**
التوبة في لغتنا العربية تعني الرجوع، وهي في
الاصطلاح الإسلامي تعني الرجوع من المعاصي والذنوب إلى الله - سبحانه وتعالى - بالتخلّي عنها والعزم على عدم العودة إليها،
مُرفقةً بالندم على ما فات، والرجاء من الله - سبحانه وتعالى - المغفرة والرحمة.
**شروط التوبة بوابةٌ لقبولها**
ليكون للعمل ثمرةٌ ونتيجةٌ، وللمسعى غايةٌوحصادٌ، فلابدّ من مراعاة بعض الشروط لقبول التوبة من الله - سبحانه وتعالى -،
وهذه الشروط هي:
1. **الإخلاص لله تعالى:** أن يكون نُوى التوبة
مُخالصًا لله - سبحانه وتعالى -، راغبين في رضاه وثوابه، لا لِحُبّ الدنيا أو
رغبةٍ فيها، أو لِما يُرضي الناس، أو لِلحصول على مكاسبٍ دنيوية، بل لِرضى الله - سبحانه وتعالى - وحده. قال الله - سبحانه وتعالى - : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـئِكَ مَعَ
الْمُؤْمِنِينَ). [١]
2. **الإقلاع عن الذنب:** التوقف تمامًا عن
الذنب، والابتعاد عن كل ما يُقرّبه من جديد،
فلا يُعذر العبد بإتباعه لشهواته، أو بإغرائه من قبل آخرين، أو بتبريره
لأفعاله، فالتوبة تُقتضي قطعًا نهائيًا للصلة بِما يُغضب الله - سبحانه وتعالى -.
3. **الندم على ارتكاب الذنب:** ينبغي للعبد أن يستشعر عظمت الله - سبحانه
وتعالى - وخطأه، فيغمر قلبه الندم على ما
اقترفه من الذنب، فيستشعر عظمة الله - سبحانه
وتعالى - ويُدرك أنّه أساء إلى الله - سبحانه
وتعالى - بِفعل ذلك الذنب، فيُعاهد نفسه على عدم العودة إليه مُجددًا.
4. **العزم الجازم على هُجران الذنب:** لا تكتمل التوبة إلّا بالعزم الحازم على ترك
الذنب وعدم العودة إليه، فمن واجب العبد أن يُصلح ما افسده من خلال ترك الذنب،
ومُحاولة جاهدةٍ لإصلاح ما أفسده من معاملاته مع الناس، وبالابتعاد عن كلّ ما
يُعرّضه للعودة إلى الذنب.
5. **إرجاع الحقوق إلى أصحابها:** فإن كان الذنب يتعلّق بحقٍّ من حقوق العباد؛
فيجب على التائب أن يُرجع ذلك الحقّ إلى صاحبه،
بِما يَضمنَ له العفوَ من الله - سبحانه وتعالى - وعفوا من صاحب الحقّ. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ
مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ
دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ
مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ
فَحُمِلَ عليه). [٦]
6. **إدراك الوقت المخصوص لقبول التوبة:** لا توجد فرصةٌ للتوبة إلّا في الحياة الدنيا،
فمن مات على معصيةٍ لم تُقبل منه التوبة. قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ
باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ
لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا). [٨]
**فضائل التوبة ثمارٌ من رحمة الله**
لا تقتصر فائدة التوبة على العبد وحده، بل
تتعدّى ذلك إلى المجتمع ككلّ، فمن فضائل التوبة:
1. **كمال الإيمان:** فالتوبة عنصٌر أساسيٌّ من عناصر الإيمان
الكامل، فإنّه يفتح للمُؤمن أبواب الخير
والهداية، ويساعده على تحقيق القرب من الله - سبحانه وتعالى - وتلبية ندائه،
والتقرب إلى الله - سبحانه وتعالى -
هو جوهرُ الإسلام.
2. **الرزق والشفاء:** فالتوبة تفتح أبواب
الرزق، و تُزيل الكرب والضيق، وتُبعد المرض،
وتُصلح ما فسد، وتُؤمن ما
خاف، وذلك فضلٌ من الله - سبحانه وتعالى - لِمُؤمنيه. قال الله - سبحانه وتعالى - : (فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم
مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا). [١٢]
3. **إشارةٌ إلى سعة رحمة الله:** فالتوبة
دليلٌ على سعة رحمة الله - سبحانه وتعالى - وكرمه،
فإنّه يُقبل من عبده التوبة مهما كانت ذنوبه جسيمة، فلا ييأس من رحمة الله - سبحانه وتعالى - من اقترف ذنباً، بل يُسرع بالتوبة لِيَجدّ الله - سبحانه وتعالى
- وَيُطهره، وَيَغفر له. قال الله - سبحانه وتعالى - : (قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). [١٤]
4. **الزيادة في الإيمان:** فالتوبة تُقوّي الإيمان، وتُنير القلب،
وتُجعله أقرب إلى الله - سبحانه وتعالى -
، فتُؤدي إلى فلاح العبد في الدنيا
والآخرة. قال الله - سبحانه وتعالى - : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا
أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). [١٦]
5. **محاسبة النفس:** فالتوبة هي نتاجٌ لمُحاسبة النفس، والتأمل في أفعالها، وعملها على
تغيير مسارها من طريق الضلال إلى طريق الحقّ، فتُصبح
قربًا من الله - سبحانه وتعالى -،
ويُغفر له ما مضى، وتُصبح حياتُه
في ضوءٍ من نورٍ إسلاميٍّ.
6. **الاستعداد لليوم الآخر:** فالتوبة هي
استعدادٌ لِليومِ الحساب، و لِلقاء الله -
سبحانه وتعالى -، فإنّها تُطهر القلب من
آثار الذنوب، وتُعدّه لِمُلاقاة ربه في
يومٍ لا ينفع فيه المال ولا البنون إلّا
من أتى الله بقلبٍ سليمٍ، فمن اتّقى الله -
سبحانه وتعالى - في حياته، وتاب إليه،
فَإنّ ذلك يُمكنّه من الخلاص من عذاب الله - سبحانه وتعالى -.
7. **مُجتمعٌ خالٍ من الفساد:** فالتوبة تُساهم في بناء مجتمعٍ سليمٍ، يُعظم فيه دور القيم الإسلامية، وتُصبح
أفعال الناس مُتّسقةً مع أوامر الله - سبحانه وتعالى - ،
وَتُصبح الحياة في العدل
والمساواة والتكافل الاجتماعي.
**حاجة العباد للتوبة رحمةٌ وفرصةٌ للعبد**
لا شكّ أنّ العبد ضعيفٌ أمام شهواته وعيوبِه،
وَيُمكن أن يُخطئ ويُقترف الذنب بِغير قصدٍ أو بِقصدٍ،
وهنا تبرز رحمة الله - سبحانه
وتعالى - وَتُصبح التوبة ضروريةً
للغاية، فإنّها تُمكنه من التخلّص من شرّ ذنوبه،
وَتُطهّر قلبه من آثاره،
وتُعيده إلى هدى الله - سبحانه
وتعالى
-.
**التوبة عهدٌ مع الله**
فالتوبة ليست
مجردُ كلماتٍ تُقال، بل هي عهدٌ
مع الله - سبحانه وتعالى - ، وعلى
التائب أن يُعمل
على الالتزامِ به، ويُحاول
بِكلّ قوته أن
لا يُعيد ارتكاب
الذنب، وَيُنصح بِأن
يُكثر من الاستغفار والدعاء
، وَأن يُكثر من
التسبيح وَالحمد ،
وَأن يُكثر من العمل
الصالح ، وَأن
يُكثر من القرب من
الله - سبحانه وتعالى -، لِتُصبح التوبة
مُثمرةً وَتُؤدي إلى
فلاحه في الدنيا
وَالآخرة.
**في الختام**
التوبة هي رحلةٌ مُشرفةٌ من
رحلة الإسلام، وَهي
سبيلٌ من سبل
النجاة من عذاب
الله - سبحانه وتعالى -، وَهي أملٌ
لِكلّ من أخطأ،
وَطريقٌ من طرق
الصلاح لِكلّ من
ضَلّ، فَلتكن التوبة
رفيق حياتنا ،
وَلتكن مُرافقةً لِأعمالنا
، وَلتكن سُبُيلنا
إلى الله - سبحانه وتعالى -.
**المراجع:**
1. سورة النساء، آية 146.
2. سورة
الحج، آية 31.
3. سورة
التوبة، آية 104.
4. سورة
الزمر، آية 53.
5. سورة
البقرة، آية 158.
6. صحيح
البخاري، رقم 2446.
7. صحيح
مسلم، رقم 2577.
8. صحيح
مسلم، رقم 2731.
9. سورة
النجم، آية 39.
10. سورة
النساء، آية 18.
11. سورة
المائدة، آية 35.
12. سورة
نوح، آية 10-12.
13. سورة
البقرة، آية 152.
14. سورة
الزمر، آية 53.
15. سورة
الشعراء، آية 218.
16. سورة
النور، آية 31.
17. سورة
المنافقون، آية 1-4.
18. سورة
الأعراف، آية 205.
19. سورة
المائدة، آية 3.
20. سورة
البقرة، آية 165.
21. سورة
الزمر، آية 55.
22. سورة
الملائكة، آية 2-3.