## "6 أيام": براعة فنية تصطدم بعائق الاقتباس
يُقدم فيلم "6 أيام" نفسه كعمل
سينمائي لافت، كان من الممكن أن يشكل علامة فارقة وبشارة حقيقية بميلاد مخرج واعد
هو كريم شعبان في تجربته الروائية الطويلة الأولى، لو لم يكن أسير ظاهرة الاقتباس
التي تلقي بظلالها على أصالته الفنية. يستلهم الفيلم قصته بشكل مباشر من الفيلم
الأجنبي "One Day" (إنتاج 2011)، وهو
ما يثير إشكالية الأصالة والإبداع في السينما العربية المعاصرة.
![]() |
## "6 أيام": براعة فنية تصطدم بعائق الاقتباس |
**إشكالية الاقتباس وتأثيرها على الإبداع العربي**
لا يمكن إغفال أن "لوثة" الاقتباس، التي تبدو وكأنها استوطنت أجزاء من صناعة السينما العربية، وخاصة المصرية،
تثيرشعوراً بالإحباط لدى المتابع النقدي. فبدلاً من أن ينطلق صناع الأفلام من رحم بيئتهم الثقافية والاجتماعية لابتكار قصص أصيلة تعبر عن هواجسهم ورؤاهم، يلجأ البعض إلى الحل الأسهل، وهو استنساخ أعمال أجنبية، غالباً ما تكون ناجحة جماهيرياً أو فنياً في سياقاتها الأصلية. المشكلة تتفاقم حين يكون الاقتباس شبه حرفي، فيتحول العمل المقتبس إلى مجرد نسخة باهتة تفتقر إلى الروح والعمق،
- وتفشل في مخاطبة الجمهور المحلي بنفس القوة. الأمثلة على ذلك تمتد عبر تاريخ السينما المصرية
- من تجارب مبكرة وصولاً إلى أعمال حديثة كـ"أصحاب ولا أعز" الذي كان نسخة طبق الأصل
- تقريباً من الفيلم الإيطالي الشهير. هذا التوجه يخصم من رصيد الإبداع الحقيقي ويجعل الصناعة تدور
- في فلك التبعية الثقافية، مستهلكةً أفكار الآخرين
بدلاً من إنتاج أفكارها الخاصة.
**مفارقة الأصل المقتبس عنه**
.jpeg)
المفارقة في حالة "6 أيام" تزداد وضوحاً عندما ندرك أن الفيلم الأصلي "One Day" (من إخراج لون شرفيج وبطولة آن هاثاواي وجيم ستورجيس)، ورغم تحقيقه لبعض الانتشار، لم يكن تحفة سينمائية استثنائية بل واجه انتقادات لاذعة عند صدوره بسبب إيقاعه البطيء ومعالجته التي مالت إلى الركاكة والملل أحياناً.
- وذلك على الرغم من نجاح الرواية الأصلية لديفيد نيكولز التي اقتُبست عنها لاحقاً في مسلسل
- تلفزيوني أيضاً. هذا يطرح سؤالاً حول جدوى اقتباس عمل لم يحقق إجماعاً نقدياً كبيراً في الأصل.
**نقاط القوة في النسخة المصرية "6 أيام"**
على الرغم من التحفظ الجوهري على مبدأ الاقتباس، لا بد من الإقرار بأن النسخة المصرية، تحت إدارة المخرج كريم شعبان، استطاعت أن تتجاوز النسخة الأصلية
في جوانب عدة، مقدمةً معالجة أكثر نضجاً وحساسية. وهنا تكمن
المرارة؛ فالفيلم يكشف عن إمكانيات فنية واعدة كان يمكن توجيهها نحو عمل أصيل
بالكامل.
1. **الإخراج
والرؤية الفنية:** أظهر كريم شعبان وعياً سينمائياً متقدماً وحساسية فنية مرهفة في
بناء المشاهد وإدارة الممثلين ورسم التفاصيل البصرية التي تعكس مرور الزمن وتغير
المشاعر. استطاع أن يخلق جواً شاعرياً وحميمياً يلامس الوجدان.
2. **الأداء
التمثيلي:** قدم الثنائي أحمد مالك (يوسف) وآية سماحة (عالية) أداءً استثنائياً
بكل المقاييس. نجحا في تجسيد تطور الشخصيتين على مدى 18 عاماً بعمق وصدق، مظهرين
كيمياء لافتة وتلقائية نادرة. تفوق أداؤهما بشكل واضح على أداء بطلي النسخة
الأجنبية، حيث بدت انفعالاتهما طبيعية وغير مصطنعة، وكأنهما يعيشان الشخصيتين لا
يؤديانهما.
3. **الغوص
في العمق الإنساني والاجتماعي:** لم يكتف الفيلم بتتبع العلاقة العاطفية بين يوسف
وعالية عبر لقاءاتهما السنوية في 19 ديسمبر، بل اتخذ من هذه العلاقة نافذة لرصد
تحولات جيل بأكمله، وتوثيق التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري وقيمه وعلاقاته.
الحوارات المشبعة بالحنين إلى الماضي ("الشجرة اللي انقطعت، أم حاتم اللي
ماتت، الناس اللي بطلت تقرأ جرايد، رنة التلفون الأرضي") تضفي بعداً نوستالجياً
مؤثراً يعكس الإحساس بفقدان عالم قديم وبزوغ عالم جديد أسرع وأقسى.
4. **اللمسة
البصرية والسمعية:** نجحت كاميرا الفيلم في التقاط نبض الشارع المصري، متنقلة في
الأزقة والمقاهي والحدائق، بعيداً عن بريق الاستوديوهات المصطنع. كما شكل توظيف
أغاني عمالقة الطرب المصري (أم كلثوم، عبد الحليم، وردة، منير) خلفية موسيقية ذكية
عززت الأجواء وربطت الحكاية بالذاكرة الجمعية.
**السيناريو وقيود الاقتباس**
رغم الإشادة بالإخراج والأداء، يبدو أن سيناريو
وائل حمدي، وإن حاول إضافة لمسات محلية، ظل مقيداً إلى حد كبير بالخطوط العريضة
للحكاية الأصلية. ربما لو تحرر السيناريو أكثر من هيكل الرواية والفيلم الأصليين،
لكان للفيلم فرصة أكبر لتحقيق تفرده الكامل.
**الخلاصة**
فيلم "6 أيام" يقف كشهادة على براعة فنية لافتة في الإخراج والتمثيل، ويقدم تجربة بصرية وعاطفية مؤثرة تتفوق على مصدرها الأجنبي. لكنه يظل محكوماً بإشكالية الاقتباس التي تمنعه من تحقيق الأصالة الكاملة.
الختام
إنه عمل يثير الإعجاب بقدر ما يثير الأسف؛ الإعجاب بالمستوى الفني الرفيع
الذي وصل إليه صناعه، والأسف لأن هذه الموهبة لم تُستثمر في حكاية نابعة من تربة
إبداعية محلية خالصة. يبقى الفيلم تجربة مهمة في مسيرة مخرجه وممثليه، ولكنه
يذكرنا مجدداً بالحاجة الملحة لتعزيز الإبداع الأصيل في سينمانا العربية.
.jpeg)