**الوخز في الجسم: أسبابه، تشخيصه، وسبل التعامل معه**
يُعد الشعور بالوخز، أو ما يُعرف طبيًا بـ "المذل" (Paresthesia)، تجربة حسية غير
طبيعية يصفها الكثيرون بأنها تشبه وخز الإبر والدبابيس، أو التنميل، أو حتى شعور
بالحرقة أو البرودة في جزء أو أكثر من الجسم. قد يكون هذا الإحساس عابرًا ومؤقتًا،
ناجمًا عن وضعية جسدية معينة، أو قد يكون علامة تحذيرية لمشكلة صحية كامنة تتطلب
اهتمامًا طبيًا. فهم الأسباب المتعددة للوخز، وآليات حدوثه، والطرق التشخيصية
والعلاجية المتاحة، يمثل خطوة أساسية نحو التعامل الفعال مع هذه الظاهرة.
![]() |
**الوخز في الجسم: أسبابه، تشخيصه، وسبل التعامل معه** |
**طبيعة الوخز وأعراضه المصاحبة**
يمكن أن يظهر في أي منطقة من الجسم، ولكنه أكثر شيوعًا في الأطراف مثل اليدين، الذراعين، القدمين، والساقين. في معظم الحالات العابرة، كالنوم على الذراع أو عقد الساقين لفترة طويلة، يزول الوخز تلقائيًا بعد إزالة الضغط المسبب واستعادة التدفق الدموي الطبيعي.
- ومع ذلك، إذا أصبح الوخز مزمنًا، أو متكررًا، أو صاحَبَته أعراض أخرى مثيرة للقلق مثل الضعف
- العضلي، الشلل، الخدران الشديد، فقدان التوازن، صعوبات في الكلام أو الرؤية، أو تغيرات في
- الوعي، فيجب اعتباره
حالة طارئة تستدعي التدخل الطبي الفوري.
**الأسباب المتنوعة للوخز في الجسم**
تتعدد العوامل التي قد تؤدي إلى الشعور بالوخز،
ويمكن تصنيفها إلى عدة فئات رئيسية:
1. **أسباب
ميكانيكية وعصبية مباشرة:**
* **الضغط على الأعصاب:**
يُعد هذا من أكثر الأسباب شيوعًا للوخز المؤقت. يمكن أن يحدث نتيجة البقاء في
وضعية واحدة لفترة طويلة، أو ارتداء ملابس ضيقة، أو استخدام أدوات تضغط على
الأعصاب.
* **إصابات الأعصاب:**
قد تنجم الإصابات المباشرة للأعصاب، سواء نتيجة حوادث أو رضوض، عن وخز في المنطقة
التي يغذيها العصب المصاب. على سبيل المثال، إصابة عصب في الرقبة قد تسبب وخزًا في
الذراع واليد، بينما إصابة عصب في أسفل الظهر قد تؤدي إلى وخز في الساق والقدم.
* **متلازمات انضغاط
الأعصاب:** مثل "متلازمة النفق الرسغي" التي تحدث نتيجة ضغط على العصب
المتوسط في الرسغ، أو "انزلاق الغضروف (الديسك)" الذي يضغط على جذور
الأعصاب في العمود الفقري.
2. **أمراض
جهازية واضطرابات استقلابية:**
* **مرض السكري:** يُعد
اعتلال الأعصاب السكري من المضاعفات الشائعة لمرض السكري، خاصة غير المسيطر عليه،
ويؤدي إلى تلف الأعصاب المحيطية، مسببًا وخزًا وألمًا وخدرانًا، غالبًا ما يبدأ في
القدمين ثم اليدين.
* **نقص الفيتامينات:**
نقص بعض الفيتامينات الأساسية، وخصوصًا فيتامين ب12، وفيتامينات ب الأخرى (ب1، ب6)،
وفيتامين هـ، يمكن أن يؤثر سلبًا على صحة الأعصاب ويؤدي إلى الوخز.
* **اضطرابات الغدة
الدرقية:** قصور الغدة الدرقية (كسل الغدة الدرقية) يمكن أن يسبب تراكم السوائل
وضغطًا على الأعصاب، مؤديًا إلى الوخز.
* **أمراض الكلى
المزمنة:** يمكن أن تؤدي إلى تراكم السموم في الجسم واختلال توازن الكهارل، مما
يؤثر على وظيفة الأعصاب.
* **أمراض الكبد:** قد
تسبب اضطرابات مشابهة تؤثر على الأعصاب.
* **اضطرابات الدورة
الدموية:** ضعف تدفق الدم إلى منطقة معينة، بسبب أمراض الأوعية الدموية الطرفية أو
تصلب الشرايين، يمكن أن يحرم الأعصاب من الأكسجين والمواد المغذية، مسببًا الوخز.
* **اختلال توازن
الكهارل:** المستويات غير الطبيعية من الكالسيوم، البوتاسيوم، أو الصوديوم في
الجسم يمكن أن تعطل الإشارات العصبية.
3. **أمراض
المناعة الذاتية والالتهابات:**
* **التصلب اللويحي
المتعدد:** مرض مناعي ذاتي يهاجم فيه الجهاز المناعي الغشاء الميليني المحيط
بالأعصاب في الدماغ والحبل الشوكي، مما يسبب أعراضًا متنوعة منها الوخز.
* **متلازمة غيلان
باريه:** حالة نادرة يهاجم فيها الجهاز المناعي الأعصاب المحيطية.
* **الالتهابات
الفيروسية أو البكتيرية:** بعض الالتهابات مثل مرض لايم، الهربس النطاقي (الحزام
الناري)، أو فيروس نقص المناعة البشرية
(HIV) يمكن أن تسبب التهابًا أو تلفًا في الأعصاب.
4. **التعرض
للسموم والآثار الجانبية للأدوية:**
* **المواد السامة:** التعرض
المزمن للمعادن الثقيلة (مثل الرصاص والزئبق)، أو بعض المواد الكيميائية الصناعية،
أو الإفراط في تناول الكحول والتبغ يمكن أن يكون له تأثير سام على الأعصاب.
* **العلاج الإشعاعي
والعلاج الكيميائي:** بعض علاجات السرطان يمكن أن تلحق الضرر بالأعصاب كأثر جانبي.
* **أدوية معينة:** بعض
الأدوية المستخدمة لعلاج حالات مختلفة قد يكون الوخز من بين آثارها الجانبية.
5. **عوامل
نفسية وعصبية مركزية:**
* **القلق والتوتر (فرط
التهوية):** يمكن أن يؤدي القلق الشديد أو نوبات الهلع إلى فرط التهوية (تنفس سريع
وضحل)، مما يغير توازن الغازات في الدم (انخفاض ثاني أكسيد الكربون) ويسبب وخزًا،
خاصة حول الفم وفي الأطراف. تنشيط "استجابة الكر أو الفر" (fight-or-flight response) يحول تدفق الدم نحو الأعضاء الحيوية بعيدًا عن الأطراف، مما قد
يساهم في الشعور بالوخز.
* **صداع الشقيقة (الصداع
النصفي):** قد تسبق نوبة الصداع النصفي أو تصاحبها "أورة" (aura) تتضمن
أعراضًا حسية مثل الوخز.
* **السكتة الدماغية
أو النوبة الإقفارية العابرة (TIA):**
يمكن أن يكون الوخز المفاجئ، خاصة إذا كان مصحوبًا بضعف
في جانب واحد من الجسم أو صعوبة في الكلام، علامة على سكتة دماغية.
**التشخيص الدقيق حجر الزاوية في العلاج**
نظرًا لتعدد الأسباب المحتملة، يتطلب تشخيص سبب
الوخز تقييمًا طبيًا شاملاً. يبدأ الطبيب عادةً بأخذ تاريخ مرضي مفصل، يشمل طبيعة
الوخز (مدته، توقيته، المناطق المصابة)، الأعراض المصاحبة، التاريخ الصحي للمريض،
الأدوية التي يتناولها، نمط حياته، بيئة عمله، واحتمالية تعرضه للسموم، بالإضافة
إلى التاريخ العائلي للأمراض العصبية.
يلي ذلك الفحص السريري، الذي يركز على فحص الجهاز العصبي لتقييم الإحساس، القوة العضلية، وردود الفعل. وبناءً على النتائج الأولية، قد يطلب الطبيب إجراء فحوصات إضافية، منها:
* **فحوصات
الدم:** للكشف عن مرض السكري، نقص الفيتامينات، وظائف الكلى والكبد، اضطرابات
الغدة الدرقية، علامات الالتهاب أو العدوى، ونشاط الجهاز المناعي غير الطبيعي.
* **دراسات
توصيل الأعصاب (NCS) ومخطط كهربية العضل
(EMG):** لتقييم وظيفة الأعصاب والعضلات وتحديد مكان
ونوع التلف العصبي.
* **التصوير
الطبي:** مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي المحوسب (CT scan) للدماغ،
العمود الفقري، أو المناطق المصابة لاستبعاد الأورام، الانزلاقات الغضروفية، أو
علامات التصلب اللويحي.
* **فحص
السائل الدماغي النخاعي (البزل القطني):** للبحث عن علامات التهاب أو عدوى في
الجهاز العصبي المركزي أو أجسام مضادة معينة.
* **خزعة
العصب أو الجلد:** في حالات نادرة، قد يتم أخذ عينة صغيرة من العصب أو الجلد
لفحصها تحت المجهر وتحديد طبيعة التلف في الألياف العصبية الدقيقة.
**استراتيجيات العلاج والتدبير**
يعتمد علاج الوخز بشكل أساسي على تحديد وعلاج
السبب الكامن وراءه.
* إذا
كان السبب هو **نقص فيتامين**، فإن المكملات الغذائية غالبًا ما تؤدي إلى تحسن
ملحوظ أو الشفاء التام.
* في
حالات **اعتلال الأعصاب السكري**، تكون السيطرة الصارمة على مستويات السكر في الدم
هي حجر الزاوية لمنع تفاقم الحالة وتخفيف الأعراض.
* إذا
كان الوخز ناجمًا عن **انضغاط عصب** (مثل متلازمة النفق الرسغي أو الديسك)، فقد
يشمل العلاج الراحة، العلاج الطبيعي، استخدام الجبائر، حقن الكورتيكوستيرويد، أو
في بعض الحالات التدخل الجراحي لتخفيف الضغط.
* بالنسبة
للوخز المرتبط **بالقلق أو فرط التهوية**، يمكن أن تكون تقنيات الاسترخاء، وتمارين
التنفس، والعلاج السلوكي المعرفي مفيدة.
* في
الحالات التي يكون فيها تلف الأعصاب موجودًا بالفعل، قد يركز العلاج على تخفيف
الأعراض باستخدام أدوية مثل مضادات الاكتئاب (بعض الأنواع)، مضادات الاختلاج، أو
مسكنات الألم الموضعية.
بالإضافة إلى العلاجات الموجهة للسبب، هناك **نصائح
حياتية عامة** يمكن أن تساهم في صحة الأعصاب وتخفيف الوخز:
* **الحفاظ
على وزن صحي:** لتجنب الضغط الزائد على الأعصاب وتقليل خطر الإصابة بالسكري.
* **نظام
غذائي متوازن:** غني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة لضمان الحصول على
الفيتامينات والمعادن الضرورية.
* **ممارسة
التمارين الرياضية بانتظام:** تحت إشراف طبي، لتحسين الدورة الدموية وصحة الأعصاب.
* **تجنب
التعرض للمواد السامة:** والإقلاع عن التدخين والكحول.
* **إدارة
الحالات المزمنة:** مثل السكري وارتفاع ضغط الدم بشكل فعال.
**الخلاصة**
الوخز في الجسم هو عرض شائع يمكن أن يتراوح من
إزعاج بسيط ومؤقت إلى مؤشر على حالة طبية خطيرة. إن تجاهل الوخز المستمر أو
المتفاقم قد يؤدي إلى تأخير التشخيص والعلاج المناسب. لذا، من الضروري استشارة
الطبيب عند الشعور بوخز غير مبرر أو مصحوب بأعراض أخرى، لتحديد السبب بدقة والحصول
على الرعاية اللازمة، مما يضمن أفضل النتائج الصحية الممكنة. فالتشخيص المبكر
والعلاج الموجه هما مفتاح التعامل الفعال مع هذه الحالة والحفاظ على جودة الحياة.
![]() |
**الوخز في الجسم: أسبابه، تشخيصه، وسبل التعامل معه** |