recent
أخبار ساخنة

## "بوغونيا" ليورغوس لانثيموس: تراجيديا النحل ومحاكاة الواقع في "البندقية"

 

## "بوغونيا" ليورغوس لانثيموس: تراجيديا النحل ومحاكاة الواقع في "البندقية"

 

يواصل المخرج اليوناني المثير للجدل، يورغوس لانثيموس، رحلته الفنية المتفردة في استكشاف أعماق الطبيعة البشرية من زوايا غير مألوفة، مقدماً رؤيته الخاصة التي غالباً ما تقع على حافة التجريب الجمالي والتفريغ النفسي. بعد عامين من تتويجه بـ"الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية عن فيلمه "كائنات مسكينة" (Poor Things)، الذي حصد أيضاً أربع جوائز أوسكار مرموقة، يعود لانثيموس مرة أخرى إلى الواجهة السينمائية العالمية بفيلمه الجديد "بوغونيا" (Bugonia). من المقرر أن يُعرض الفيلم ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، الذي ينطلق في السابع والعشرين من أغسطس ويستمر حتى السادس من سبتمبر، ليثير نقاشات جديدة حول رؤيته السينمائية الفريدة.

يواصل المخرج اليوناني المثير للجدل، يورغوس لانثيموس، رحلته الفنية المتفردة في استكشاف أعماق الطبيعة البشرية من زوايا غير مألوفة، مقدماً رؤيته الخاصة التي غالباً ما تقع على حافة التجريب الجمالي والتفريغ النفسي. بعد عامين من تتويجه بـ"الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية عن فيلمه "كائنات مسكينة" (Poor Things)، الذي حصد أيضاً أربع جوائز أوسكار مرموقة، يعود لانثيموس مرة أخرى إلى الواجهة السينمائية العالمية بفيلمه الجديد "بوغونيا" (Bugonia). من المقرر أن يُعرض الفيلم ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، الذي ينطلق في السابع والعشرين من أغسطس ويستمر حتى السادس من سبتمبر، ليثير نقاشات جديدة حول رؤيته السينمائية الفريدة.
## "بوغونيا" ليورغوس لانثيموس: تراجيديا النحل ومحاكاة الواقع في "البندقية"


## "بوغونيا" ليورغوس لانثيموس: تراجيديا النحل ومحاكاة الواقع في "البندقية"

يُعد فيلم "بوغونيا" بمثابة فصل جديد في سلسلة هذيانات لانثيموس الفنية التي طالما أسرت النقاد والجمهور على حد سواء، ليصبح حديث الساعة في الأوساط السينمائية. تجدر الإشارة إلى أن الفيلم هو نسخة أميركية مُقتبسة من الفيلم الكوري الجنوبي الشهير "أنقذ الكوكب الأخضر" (Save the Green Planet!) للمخرج جانغ جون هوان، الذي عُرض عام 2003. هذا الاختيار بحد ذاته يثير التساؤلات حول كيفية إعادة لانثيموس صياغة عمل سابق ليتناسب مع بصمته الإخراجية المميزة، والتي تتسم بالغرابة والعبثية والتشويش المقصود.

### فلسفة لانثيموس السينمائية بين التجريب والواقعية المشوهة

 

أفلام يورغوس لانثيموس، بطبيعتها، تقف على حدود دقيقة وفاصلة بين التجريب الفني الجريء والتحليل النفسي العميق. من الصعب تصور لانثيموس خارج الإطار الذي يبنيه بعناية فائقة، والذي يبدو وكأنه ملاذ أو وسيلة للنجاة من عالم يراه غير قابل للضبط أو الفهم المنطقي.

  •  لا تتبع أعماله أي منطق سردي مألوف، وكل محاولة لتفكيكها باستخدام أدوات التحليل السينمائي
  •  الكلاسيكية غالباً ما تنتهي في طرق مسدودة. إنه يصر على تقديم رؤى مشوشة، محملة بشخصيات
  •  باهتة، شاردة، ومواقف تبدو مفككة عمداً، بهدف إبقاء المشاهد في حالة دائمة من التوتر الفكري
  •  والنفسي. هذه الاستراتيجية ليست مجرد اختيار أسلوبي، بل هي جزء لا يتجزأ من فلسفته في تقديم
  •  الواقع كما يراه: معقداً، غامضاً، ومليئاً بالتناقضات.

 

في "بوغونيا"، يقدم لانثيموس قصة غريبة تتمركز حول مربي نحل شاب، يجسده الممثل جيسي بليمونز، يعاني من جنون العظمة لدرجة الاعتقاد الجازم بأن مديرة إحدى الشركات، التي تلعب دورها إيما ستون، ليست سوى كائن فضائي جاء بهدف القضاء على الجنس البشري.

 بثقة عمياء وغريبة، يجر الشاب معه ابن عمه المحدود فكرياً، الذي يؤديه أيدن ديلبيس، في خطة عبثية لا تخلو من الكوميديا السوداء: اختطاف المرأة لإجبارها على إلغاء "المخطط الفضائي" الذي لا وجود له إلا في عقله المريض. الضحية، بطبيعة الحال، تجد نفسها عالقة في هذا الكابوس السوريالي دون أن تفهم أبعاد ما يجري حولها أو السبب وراء هذا الجنون المفاجئ.

 

### وحدة المكان والزمان مسرح للجنون والعبثية

 

يدور الجزء الأكبر من أحداث الفيلم في وحدة مكانية وزمانية ضيقة ومحدودة، مما يعزز الإحساس بالضيق والانغلاق النفسي. في هذا الحيز المحصور، تتجلى صور الشر والجنون والعبثية بأشكال متعددة ومتنافرة. تبقى فكرة الكائنات الفضائية مجرد وهم يتداخل مع الواقع بشكل مستمر، مما يجعل المشاهد يتساءل عن حدود الحقيقة والخيال.

  1.  في المقابل، يكتنف النحل غموض عميق، ويربطنا هذا الكائن الصغير بأفق واسع من النظريات
  2.  العلمية المتجددة، وربما أيضاً بالتراجيديا الإغريقية، التي لطالما استلهم منها لانثيموس في أعماله
  3.  السابقة. إن ربط النحل بموضوع "بوغونيا" ليس مجرد اختيار عشوائي، بل يحمل دلالات رمزية
  4.  حول التنظيم، الانهيار، دورة الحياة والموت، والفناء الجماعي، وهو ما يتقاطع مع رؤية لانثيموس
  5.  السوداوية للبشرية.

 

في عالم لانثيموس، لا يمكن توقع مجرى الأحداث، فكل شيء ممكن أن يحدث في أي لحظة. الخيال مفتوح على مصراعيه، سواء بالنسبة للمشاهد الذي يحاول فهم ما يجري، أو داخل النص نفسه الذي لا يلتزم بأي قيود منطقية.

 الحوارات في "بوغونيا" تزخر بالكلام الفارغ والتفلسف الذي قد يثير السخرية، وهي سخرية يبقيها لانثيموس دائماً على الحد الفاصل بين الجد والمزاح. إنها لعبة فنية يتقنها جيداً، فهو يبرع في عدم الوقوع في فخ السخافة المطلقة التي قد تدفع المشاهد إلى إلغاء "العقد" غير المكتوب الذي يربطه بسينماه الغريبة. ينجح في إبقاء المشاهد متوتراً ومنخرطاً، حتى في أكثر اللحظات عبثية.

 

من الصعب تحديد ما إذا كان المخرج يسخر من شخصياته أو يتعاطف معها. في الواقع، يجمع لانثيموس في نظرته بين التعاطف والسخرية بشكل متناغم. وبالسخرية ذاتها يتناول كل النظريات التي تتراكم حول موضوعات الفوارق الاجتماعية، وإنقاذ الكوكب، والتلاعب النفسي، من دون أن يغرق في أي منها فعلاً. كل هذا يتجسد بأسلوب سينمائي حاد ومباشر، لا يترك مجالاً للغموض في المواقف. فالأمور واضحة وحاسمة، أحادية الوجه، إما حياة أو موت. لا شيء بينهما، مما يعكس رؤيته المتطرفة للعالم والبشر.

 

### المفاجأة المنتظرة نقطة تحول أم فراغ سردي؟

 

يصعب الحديث عن قصة "بوغونيا" بتفاصيلها دون إفساد المفاجأة الوحيدة التي يخبئها الفيلم، وهي نقطة التحول التي تخرج النص نظرياً من حالة الركود والسكون. تبذل الممثلة إيما ستون قصارى جهدها لمنح شخصيتها عمقاً وتأثيراً، لكن النص لا يسعفها دائماً في هذه المهمة الصعبة. ما يسبق هذه اللحظة المفصلية يبدو في كثير من الأحيان مجرد مط ممل، واجترار لمشاهد تتكرر، وحوار يدور في حلقة مفرغة. يبدو الفيلم وكأنه يراهن بكل ثقله على صدمة واحدة، لكنه يغفل أن الطريق إليها طويل ومليء بالفراغات السردية التي قد تختبر صبر المشاهد.

 

  • كما هو الحال دائماً مع أفلام لانثيموس، يظل السؤال المشروع يطرح نفسه بقوة: هل تكفي قوة الصدمة
  •  أو فرادة الفكرة لتأسيس سينما يعتد بها؟ إن ما يقدمه لانثيموس عموماً هو ممارسة شكلية في الدرجة
  •  الأولى، تركز على الأسلوب البصري والروائي الغريب. قد لا يكون الجواب على هذا السؤال بهذه
  •  البساطة، وفي انتظار ذلك، يستمر لانثيموس في التنقيب داخل هذا الأسلوب، مستهلكاً احتمالاته الفنية.
  •  ربما يصل في لحظة ما إلى توازن يسمح للغرابة بأن تتكامل مع المضمون، دون أن تطغى عليه
  •  ليقدم تجربة سينمائية أكثر شمولاً.

 

خلاصة 

في خاتمة سوداوية أشبه بنذير شؤم، تذكرنا بنهاية الجزء الأول من "كوكب القردة" لفرانكلين ج. شافنر، يلجأ لانثيموس إلى الترميز العميق، ويدق ناقوس الخطر بأسلوبه الخاص. لكن هذا الأمر قد يبدو للبعض مجرد تهويل مبالغ فيه.

 في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد العرض الأول لـ"بوغونيا" في البندقية، لم يخف لانثيموس سوداويته ورؤيته القاتمة للمستقبل. صرح قائلاً: "من المؤسف أن كثيراً مما يبدو في هذا الفيلم كـ'ديستوبيا' (واقع كارثي) ليس من نسج الخيال، إذ إن كثيراً منه يعكس الواقع الذي نعيشه. عندما يسمع الناس كلمة 'ديستوبيا'، غالباً ما يتخيلون صورة للمستقبل، وحدثاً جللاً أصاب الحضارة.

 لكن إن كان ثمة شيء يقوله هذا الفيلم، فهو أن ما نراه يحدث الآن. البشرية على أعتاب مواجهة حاسمة. الناس في حاجة إلى اختيار الطريق الصحيح، وإلا فلا أدري كم تبقى من الوقت، بالنظر إلى كل ما يحدث في العالم، من تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلى الحروب، والتغير المناخي، وإنكار كل هذه الأمور، واللامبالاة التي أصبحنا نتعامل بها مع كل ذلك. لذلك، فالفيلم في جوهره، هو مرآة لأزمنتنا، وأرجو أن ينجح في دفع الناس للتفكير فيما يجري اليوم، في كل أنحاء العالم".

 فى الختام

بهذه الكلمات، يكشف لانثيموس عن أن "بوغونيا" ليس مجرد قصة غريبة، بل هو نقد حاد ومرآة تعكس المخاوف الوجودية التي تواجه البشرية في عصرنا الحالي. إنه يدعو المشاهدين إلى التأمل في الواقع المتدهور واللامبالاة التي قد تؤدي إلى تراجيديا حقيقية، أشد قسوة من أي خيال سينمائي.

## "بوغونيا" ليورغوس لانثيموس: تراجيديا النحل ومحاكاة الواقع في "البندقية"


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent